في لبنان، أصبحت أغلبية السكان، للأسف، غير قادرة على الوصول إلى العناية الصحية أو شراء الأدوية، مما دفعهم إلى عدم تناولها بانتظام أو الأسوأ عدم شرائها. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد مرضى السرطان قادرين على تحمل تكاليف العلاج، إذا كان الدواء متاحاً حتى، وان كانوا قادرين على شرائه. بالطبع، لا ننسى مرضى غسيل الكلى الذين تخلّوا عن العلاج بسبب تكاليفه الباهظة.
مع تراجع مستويات المعيشة وتدهور الرعاية الصحية، أصبحت صحة الناس في خطر، خصوصًا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة وهجرة العاملين في مجال الرعاية الصحية بشكل واسع. واليوم، لم يعدد للمريض سوى طرق باب المستشفيات الحكومية التي تعاني أصلاً، ومراكز الرعاية الأولية الوحيدة للحصول على الرعاية الأساسية.
حياة الآلاف معرضة للخطر. مساهمتك يمكن أن تكون النجاة التي يحتاجون إليها بشدة.
ساهم معنا وكن شريكاً في الأمل.
يشهد الاقتصاد اللبناني حالة من "السقوط الحر" منذ عام 2019، حيث فقدت عملته أكثر من 90٪ من قيمتها، مما دفع ما يقارب من ثلاثة أرباع سكّان لبنان إلى الفقر، ودفع العديد من الأطبّاء والممرّضات إلى البحث عن فرص أفضل في الخارج. فقد كان النظام الصحي في لبنان من بين الأفضل في الشرق الأوسط، ثم بدأ يتداعى، حيث باتت المستشفيات تكافح للإبقاء على طاقمها الطبي، ناهيك عن التكاليف العالية للكهرباء وانقطاع المستلزمات الطبيّة وغيرها...
وباتت هذه الأزمات تنعكس على المصابين بالأمراض المزمنة، الذين لم يعد باستطاعتهم شراء الدواء، فباتوا يعمدون إلى عدم شرائه، أو عدم تناوله بشكل يومي. والأزمة طالت بشكل كبير مرضى السرطان ومرضة غسيل الكلى، الذين اضطرّوا للتخلّي تماماً عن العلاج، مع الأسف.
فقد قدّرت منظّمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 40٪ من أطباء لبنان وحوالي 30٪ من الممرّضات قد غادروا منذ أكتوبر 2019. وهناك عدد أكبر في عملية تجهيز أوراقهم للهجرة، وفقًا ل "شرف أبو شرف"، نقيب الأطباء. كما يصرّح عمال الرعاية الصحيّة إنهم "يكافحون للتعامل مع انخفاض دخلهم" نتيجة الانخفاض الشديد في قيمة العملة وتزايد أعباء العمل التي تجعلهم مرهقين، والخطر الأكبر في هجرة الأدمغة في مجال الرعاية الصحية تهدد صحة الملايين من الناس. كما عمد الأطباء والمستشفيات إلى الإضراب، معلنين عن العمل فقط لمعالجة الحالات الطارئة ومرضى غسيل الكلى، احتجاجًا على سياسات البنك المركزي التي تعيق قدرتهم على العمل ودفع رواتب الموظفين.
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، من المتوقع أن يستمر الاتجاه نحو الاعتماد المتزايد على خدمات "الرعاية الصحية الأولية" في القطاع العام، بينما من المتوقع أن ينخفض التمويل الحالي والدعم التشغيلي، مما يخلق عبئًا إضافيا على مرافق الرعاية الصحية الأولية، لا سيما في المناطق التي تعاني أصلاً من نقص في الخدمات. كما ستزداد العوائق التي تحول دون الوصول إلى الخدمات الصحية - لا سيما تكلفة النقل وتكلفة الخدمات الصحية، لدى الفئات الضعيفة الأكثر ضعفاً، فضلاً عن أولئك الذين يعانون من أمراض كارثيّة واحتياجات صحيّة مزمنة على غرار مرضى غسيل الكلى والسرطان.
ما لم يتم العثور على حل مؤقت لدعم الأدوية، ستظل القدرة على تحمل تكاليف الأدوية الآمنة والجيدة وإمكانية الوصول إليها تحديًا، وبالتالي من المتوقع أن يزداد الاعتماد على الإمدادات الإنسانية، في حين أن الأمراض غير المعدية غير المُدارة قد تؤدي إلى زيادة في حالات المستشفيات. عليه، ستستمر هجرة الموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي بلا هوادة، حيث ستكون المناطق النائية والريفية الأكثر تضرراً. كما من المتوقع أن تزداد المخاوف مثل حول العنف وسوء التغذية والصحة النفسية والإعاقة مع تفاقم الأزمة.